أخبار عالمية

هل ستودّع بريطانيا بذخ الملكية بعد حفل تتويج تشارلز؟ ….

التكلفة الباهظة لمراسم التتويج تأتي وسط مستويات قياسية من ضعف التوظيف وغلاء المعيشة وتزايد الفقر.

هل ستودّع بريطانيا بذخ الملكية بعد حفل تتويج تشارلز؟ التكلفة الباهظة لمراسم التتويج تأتي وسط مستويات قياسية من ضعف التوظيف وغلاء المعيشة وتزايد الفقر. جرت يوم السبت رسمياً مراسم تتويج الملك البريطاني البالغ من العمر 74 عاماً ليتقلّد المنصب المقدّر له سلفاً منذ ولادته، فيما شكّل حدثاً غريباً بحد ذاته في بلد يعاني مستويات قياسية من ضعف التوظيف وأزمة غلاء معيشية حادّة. لكنَّ تتويج الملك تشارلز الثالث، وهو أحد الأثرياء على مستوى العالم، قد موّله دافعو الضرائب أيضاً، حيث تقدّر التكلفة بأكثر من 100 مليون دولار، بل وتُمنح عطلة وطنية بمناسبة هذا الاحتفال.

بينما يتلقى الملك الجديد “الجرم السماوي” والصولجان وخاتم التتويج، ويُمسح بالزيت المقدس الذي أُنتج خصيصاً لهذا الغرض في القدس؛ ستوجّه الدعوة لرعاياه في جميع أنحاء المملكة المتحدة وخارجها ليقولوا كلمات: “أقسم أنَّني سأقدّم فروض الولاء الحقيقي لجلالتك ولورثتك وخلفائك امتثالاً للقانون، وليساعدني الله”.

إقرأ أيضاً | حفل تتويج الملك تشارلز.. عبء أم منفعة لاقتصاد بريطانيا؟ تقارير إعلامية تقدر تكلفة الحدث بـــ100 مليون جنيه إسترليني وسط توقعات بأن يدر مئات الملايين.

“العبثية يمكن أن تكون كاملة، ويبدو أنَّها تسخر من التحليل، فهي تبعد المتفرج عن الغضب، وتخرجه من اليأس إلى الحياد”. كتب هذه الكلمات “في. سي. نايبول” الذي كان قد استخدمها في الأصل لوصف حال الهند ما بعد الاستعمار، وأُعيدت صياغتها بشكل طفيف، لتنطبق اليوم على بريطانيا ما بعد الإمبراطورية، إذ يمكن القول أيضاً إنَّها “حضارة أصابها جُرح” بالغ، وتحكمها “طقوس وأسطورة”، ويبدو أنَّها “غير قادرة على الإصلاح الدائم، أو تصحيح تفسير العالم الجديد”.

فقر وفضائح

معدلات الفقر بين الأطفال آخذة في التزايد، ومتوسط العمر المتوقَّع يتباطأ، بينما تلاحق حزب المحافظين الحاكم فضائح الفساد. تحوّلت بريطانيا، التي كانت محل إعجاب واسع النطاق، إلى كونها موضع سخرية دولية. إحدى العلامات هي عدد الشخصيات المرموقة التي حضرت حفل التتويج، الذي كان أقل من عدد الحضور في جنازة الملكة إليزابيث الثانية. فقد رفض الرئيس جو بايدن بالإضافة إلى آخرين الحضور، مما أثار غضب الصحافة البريطانية ذات الأغلبية اليمينية الساحقة.

مع ذلك،؛ كما فعلوا تماماً خلال الجنازة الملكية العام الماضي، يحث السياسيون من حزب المحافظين والكثير من الصحافة البريطانية المواطنين على الاعتزاز بطقوسهم ومؤسساتهم القديمة. في الواقع، يقدّم أسبوع التتويج درساً آخر مثيراً للقلق حول تسبب طريقة الاحترام المنظم لماضي بريطانيا في استمرار حالة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وتأجيل الأسئلة الضرورية حول نزاهة وكفاءة النخب في البلاد.

عانت بريطانيا

ففي عهدهم، عانت بريطانيا من كوارث أخلاقية وسياسية واقتصادية متتالية، من برنامج حزب المحافظين الخاص بالتقشف، الذي دمّر أنظمة الرعاية الاجتماعية وضغط على الأجور، إلى السعي الدؤوب لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والفساد المتعدد لبوريس جونسون، والتخبط الاقتصادي لليز ترَس. كما حذر نايبول بأنَّ “أولئك الذين يفتخرون بحضارتهم القديمة الباقية هم في الواقع ضحايا لها”.

هناك دلائل على أن التقدير الانعكاسي في بريطانياً تجاه الشخصيات والمؤسسات المرموقة ربما يكون آخذ في التراجع. فقد كشف استطلاع أجرته “يوغوف” (YouGov) هذا الشهر أن 64% من البريطانيين لا يهتمون كثيراً أو لا يهتمون على الإطلاق بالتتويج.

وفقاً لمسح أجراه المركز الوطني للبحوث الاجتماعية، يعتقد ثلاثة فقط من كل 10 أشخاص في بريطانيا أن الملكية “مهمة للغاية”، وهي أقل نسبة مُسجّلة. رأى ما يقرب من نصف المشاركين في المسح أنه يجب إلغاؤها.

الأهم من ذلك، يرى 12% فقط من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً أن الملكية “مهمة جداً”. فقد صُدِم الشباب عندما طاردت الصحافة العنصرية الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل خارج البلاد، وعندما دفع الأمير أندرو. شقيق الملك تشارلز، مبلغاً من المال لتسوية قضية اعتدائه الجنسي في الولايات المتحدة.

التعتيم على القضايا الجوهرية

فهم يعرفون جيداً حيل “مجتمع المأزق”، التي كان الأمير هاري قد وصفها الأسبوع الماضي. بقوله إن وسائل الإعلام القائمة تعمل على تحويل انتباه الجمهور عن طريق طرح موضوعات “أكثر دونية وتفاهة”. من أجل التعتيم على القضايا الجوهرية.

سرعان ما يتراجع دعم الملك البريطاني بشكل أكبر في عددٍ من البلدان التي لا يزال فيها رئيساً للدولة. حتى أن أستراليا من المقرر أن تصبح جمهورية، بحسب ما كشف السفير الجديد للبلاد لدى المملكة المتحدة الأسبوع الماضي. وحضر تشارلز بنفسه حفل العام الماضي الذي أزاحت فيه بربادوس الملكة رسمياً من منصبها كرئيسة للدولة.

“فظاعة العبودية المروعة”

تحدث الملك الجديد آنذاك عن “فظاعة العبودية المروعة”. ولم يرد بعد على ما كشفت عنه مؤخراً صحيفة “الغارديان” بأن أسلافه يمتلكون مزارع العبيد في فيرجينيا. وأن المجوهرات الثمينة التي نهبها المستعمرون البريطانيون من الهند انتهى بها المطاف لتنضم إلى التشكيلة الملكية. يحتمل أن يكون تشارلز مُحرَجاً من إرثه المشين. شغفه بالقضايا البيئية هو ما يميّزه وسط عائلة كانت تاريخياً أكثر انخراطاً في الخيول والقصور.

كان قد صرح أيضاً بأنه يريد تحديث النظام الملكي، على الرغم من أن خططه التفصيلية للتتويج تشير إلى عكس ذلك. على أي حال، قد لا تكون التحركات الإضافية، مثل دفع الضرائب، كالبريطانيين الآخرين فضلاً عن إرث والدته، أموراً كافية.

ستكون أعظم خدمة يقدمها جلالة الملك لمملكته هي إلغاء مظاهر الفخامة من منصبه. يمكن بعد ذلك تبرير التتويج باهظ الثمن، في عقله على الأقل، باعتباره التساهل الأخير من نوعه، حفلة وداع كبيرة. من المؤكد أن بريطانيا بحاجة أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات المُلحّة للحاضر والمستقبل. بدلاً من إعادة تمثيل ماضيها مرة أخرى من خلال مظاهر البذخ. كتب نايبول عن حضارة جريحة أخرى “يجب أن يُنظر إلى الماضي على أنه في عِداد الموتى. وإلا سيكون الماضي هو سبب الهلاك”.

هل ستودّع بريطانيا بذخ الملكية بعد حفل تتويج تشارلز؟ التكلفة الباهظة لمراسم التتويج تأتي وسط مستويات قياسية من ضعف التوظيف وغلاء المعيشة وتزايد الفقر.

المصدر : asharq business

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى